الميلاد، زمن الفرحة والبهجة والمحبّة والسلام. وعلى الرغم من أنّه يأتي ككل عام بمحطة ثابتة، إلّا أنّه يفاجئنا بالروح المنتشر في الجوّ بلهب هذا الطفل الإله.
نلتمس وجهه في الطرقات الساحات، في الزينة والأضواء، وتشعر به الأشجار والنباتات، وتعلن الخبر، كما النجم، الزهور والقمح الاخضر، وعلى الرغم من العواصف والثلوج فوق الهضاب، يصبح لكل شيء طعم جديد في الميلاد.
إنّه "لسرّ عظيم"، أنعم الله به على الكون، وخص به الإنسان، ليتذكّر أنّه ليس فقط من حبّات التراب، بل من الله. إنها محطة، لنتذكر ما جاء في الكتاب عندما خلق الله الإنسان فجبل التراب ونفخ فيه من روحه وقال: "فلنخلق الإنسان على صورتنا ومثالنا". وها الإنسان بخطيئة آدم وحواء ورثة المعصية والكبرياء وتنكر لمن أعطاه الحياة، وها قايين يقتل أخاه هابيل من الغيرة والحسد.
إلى أن أتى ملء الزمان صار الكلمة جسدًا وحل بيننا، أي تجسّد الإله وصار إنسانًا ليفتدينا ويخلّصنا ويعيد لنا الكرامة والحياة. في زمن الميلاد تعمّ وتغمرنا الفرحة والسلام على الرغم من كثرة أحزاننا وتحدّياتنا وآلامنا.
يشعر كل إنسان أينما كان ومهما كان، بأنّه محبوب من قبل هذا الطفل الإلهي.
والسبب الذي من أجله أراد الآب إرسال ابنه الوحيد طفلًا مقمّطًا موضوعًا في مزود ومن عذراء لم يمسّها رجل، هو لكي يذكّرنا بأنّنا نفس من نفسه وروح من روحه، وليقول أكثر من ذلك إنّ الإله العظيم الذي تخضع له ملائكة السماء، والجبال والبحار أتى إلى أرضك أيّها الإنسان إن أردت بحريتك فاقبله إلهًا لك. نعم، فالطفل أي طفل لا يقوى دفاع عن نفسه، ليترك لنا حرية القبول...
غريب عجيب هذا الإله، فليشجّع بعضنا بعضًا، ولنهتم بهذا الطفل الإلهي لكي يكبر في قلوبنا فيكبر بنا ونكبر به، لتعود قيمة الإنسان على ما أرادها ابن الإنسان أن تكون. فثمار الميلاد هي التواضع وإخلاء الذات والبراءة والغفران والمسامحة، بروح انفتاح على الحياة والأمل بمستقبل أفضل. في الميلاد نتذكّر أكثر من أي يوم مضى من أين أتينا وإلى أين نذهب؟ وفي أي طريق علينا أن نسير؟.
فالكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا، فهل لكلمتنا أن تصبح فعلًا كما "الكلمة"! وجسدنا يصير ممجدًا ونسير إلى حيث يجب أن نكون، متخطين الحواجز والإعاقات الماديّة لنحلّق ونعلو إلى السماء، إلى حضرة الإله.
فإنّي أنا، ابن الله بالتبنّي، فلنعش على هذه الأرض كآلهة وليس كعبيد، إذ نزل لكي يرفعنا إلى حيث هو، وعندئذ يكون الميلاد قد اكتمل مفعوله.
ميلادك ربّي يسوع، يدعوني لكي أولد مجدّدًا وأسير معك إلى حيث تريد، وإلى حيث يجب أن أكون.